منصور مهني هو مؤسس مفهوم الإبراخيليا سنة 2012 انطلاقا من جامعة تونس المنار وهذه محاضرة له باللسان العربي قدمها بلبنان (الجامعة اللبنانية ببيروت) سنة 2015 عند تركيز فريق لبنان للدراسات الإبراخيلية، وهي محاضرة تم نشرها في العدد الثاني (السداسي الثاني لسنة 2016) من مجلة “محادثات”، مجلة الدراسات الإبراخيلية
مدخل إلى الإبراخيليا العربية[1]
د. منصور مهني
1 – مدخل عام
إن السبيل الذي قادني إلى مفهوم “الإبراخيليا” كما سأعرفه لاحقا هو مسلك بحث وتدريس اهتم لمدة سنوات بالأشكال القصيرة للخطاب والنصوص وكان ذلك خصوصا في الأدب الفرنسي مع إطلالات متكررة على الآداب الأخرى وأولها الأدب العربي في بعض تشكلاته القديمة والمعاصرة.
أولى استنتاجات التجربة كانت أن تلك المادة الخطابية والنصية لا يمكن الاكتفاء باعتبارها “أشكالا قصيرة” ( Les formes brèves ) قابلة للحصر في مساحات تقدر بعدد الكلمات أو الأسطر أو الصفحات وخاضعة لمسافات زمنية محددة تعتبر مقياسا لاحتواء التعبير عنها شفويا. فكان أن حصل عندي اتفاق مع جل الباحثين في ذات المجال قصد التركيز على أن تلك التشكلات النصية والخطابية تخضع ضرورة إلى إنشاء يميزها ويحكم مختلف مستويات تراكيبها والاستراتيجيات التي ترسم نظرتها للتعبير والتواصل ورؤيتها للكون والوجود. ذاك ما لمسته من بعض دراسات ألان مونتوندن وغيره وخاصة مما عبر عنه جورج دسون ب “الكيفية القصيرة”
(La manière brève ).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحداثة المعاصرة أعادت الاعتبار للأشكال الأدبية القصيرة وأجناسها بعد أن حشرتها التصنيفات البلاغية التقليدية في موقع “الأجناس القاصرة” ( Les genres mineurs ) بالمقارنة مع “الأجناس الكبرى” ( Les genres majeurs ). ذاك على الأقل ما هو ثابت في التصنيف الغربي لأنواع الخطاب وأجناس النصوص[2].
واقترن البحث في هذه المواضيع باعتبار آخر لمفهوم القصر اعتمدته البلاغة التقليدية الغربية وجعلت مختلف تفريعاته في علاقة بصورة بلاغية أساسية تحمل، في الفرنسية، اسم ( L’ellipse )، وهو المنحنى الهندسي المعرّف عربيا ب “القطع الناقص أو الإهليلج أو الشكل البيضوي”، لكن الصورة البلاغية تعرب بعبارة “حذف” ومن بين أنواع تشكلها توجد صورة فرعية تسمى بالفرنسية “إبراكيلوجيا” ( brachylogie ) وهي من أصل يوناني (brakhulogia )، أعتقد أنها نالت لدى سقراط موقع مفهوم فلسفي يجمع بين متطلبات الخطاب والرؤى التي تحكمه ويتضمنها .
تشكلت العبارة الفرنسية وفي لغات أخرى ذات أصول لاتينية من الجمع بين لفظة “براكي” ومعناها “قصير” و”لوغس” ومعناها “علم، خطاب”. إلا أن المهم في الأمر هو كيف آلت العبارة إلى شبه انقراض لصالح “الحذف” خصوصا وربما بعض التركيبات الخطابية والصور التعبيرية الأخرى؟ والجواب على سؤالنا هذا هو الذي سيمهد وربما يشرع لما أذهب إليه من استرجاع ومراجعة للمفهوم عند سقراط وإعادة اعتباره في استنباط حداثي يخترق الاختصاصات المتنوعة ويؤلف بينها في نظرة متكاملة تعتمد عملية التواصل مسلكا قصد محاولة تبين أسرار الأفراد والمجموعات في تفاعلهم مع الكون والوجود والحياة والبحث عن الحقيقة.
لكن دعنا قبل ذلك نتوقف عند العبارة التي اخترتها شخصيا لهذا المفهوم في اللغة العربية حتى يثبت لنا استعماله في سياقه.
عندما أردت أن أضع اسما على هذا المجال الجديد للدرس والبحث والتمحيص (وأنا أزعم أنه كذلك ولو بدا متجددا)، عدت إلى العبارة الأصلية، أي اليونانية، بحثا عن مختلف ترجماتها وتبين لي أنه في اللغات من نفس العائلة تم الاحتفاظ بالتركيبة الأصلية مع الملاءمة الخاصة بكل لغة وأن ذلك تم بالنسبة للصورة البلاغية التي عوضت شيئا فشيئا بمفهوم “الحذف”، خاصة بتقلص حجم البلاغة التقليدية الغربية في منتصف القرن التاسع عشر. أما عن ترجمتها من “محاورات” افلاطون فقد تم الاقتصار على عبارة “القصر” أو “الإيجاز” أو “الاختصار” أو “الاقتضاب” في التحادث، وهي العبارات والمفاهيم التي اقتصرت عليها اللغة العربية.
لكن العنصر الأصلي من الكلمة (“براكي” – brachy ) اعتمد، في اللغة اليونانية على الأقل، لصياغة عديد الألفاظ الأخرى التي استعملت في شتى المجالات والاختصاصات، من الظواهر الطبيعية مثل قصر الأصابع أو بعض الكائنات صغيرة الحجم إلى عديد العلوم مثل الطب والفيزياء وعلم الحيوان وعلم النبات وعلم النفس والألسنية والبلاغة، إلخ.
وظهر لي أنه من المفيد، في المنحى الذي أردته للمفهوم الجديد، أن نحتفظ بإشارة إلى أصل الكلمة كما جاءت عند السفسطائيين وكما عادت على لسان سقراط في محاورات افلاطون ببعد نزعم أنه أعمق وأوسع وكما استعملها صديقه أبقراط مؤسس علم الطب، فبحثت عن ترجمات قد تنفعني في ذلك ولم أعثر (ما عدا تقصير غير متعمد مني، قد لا يضر بحال ما النتيجة الحاصلة) إلا على كلمة “إبراخيسيمة” التي عرب بها المعجم المزدوج / عربي.فرنسي / فرنسي.عربي[3] عبارة ( brachysème ) و التي تعني “جنس جنبة للتزيين من فصيلة القرنيات”. وبالقياس على “جيولوجيا” و “سيكولوجيا” و “بيداغوجيا” وغيرها، بدا بالإمكان اختيار لفظة “إبراخيلوجيا” لتعريب (Brachylogie ) ؛ لكن تيسير النطق جعلني أميل إلى اللفظ الذي انتهيت إليه وهو “إبراخيليا”.
إن النقاشات التي دارت بالعربية في تظاهرات علمية حول المفهوم، خاصة في تونس ولبنان والمغرب، طرحت موضوع التسمية واقترحت البحث الجماعي عن لفظ يكون من أصل عربي فيجعل المفهوم يندمج بسهولة في العربية، مع إمكانية الاحتفاظ باللفظ الأول في مجال الدراسات العلمية المختصة. وهو ما حصل في الملتقى الرابع للدراسات الإبراخيلية بتونس حيث اقترحت عبارة “الاختزالية” وهي عبارة تبدو لي وجيهة لتسمية الوجه الأول للإبراخليا الحديثة وهو “الإنشائية الإبراخيلية”، كما سنقدم لاحقا[4].
فلننظر الآن في العمق الفلسفي الذي يحمله مفهوم الإبراخيليا عند سقراط، من منظورنا، مع الإشارة إلى أن سقراط لم يكتب شيئا وأن ما بلغنا عنه هو ما كتبه فيه افلاطون خاصة[5]، وما شخّصه عنه في محاوراته. لذلك يبقى سقراط بمثابة الشخصية الأدبية الحاملة لفكر مؤلفها، أي افلاطون؛ لكن سقراط شخص حقيقي تتلمذ عليه افلاطون وعايشه كثير من الشخصيات المعروفة في التاريخ والفكر الإغريقيين. بمعنى أن قراءتنا لسقراط تبقى حتما في منزلة بين منزلتين، بين الواقع والخيال. إذ لا يمكن لأفلاطون أن ينسب لأستاذه ما ليس له وإن يبدو أنه سمح لنفسه، مع تقدم كتابته وتطور أفكاره، بتعديل بعض مواقف الأستاذ بما يتلاءم مع فكر التلميذ الذي أصبح هو نفسه فيلسوفا كما كان يريد له أستاذه.
أشرنا سابقا إلى أن تركيز سقراط على مفهوم الإبراخيليا كطريقة مفضلة للتخاطب وكمنهج بنّاء للتحادث يتجليان خاصة في محاورة بروتغوراس (أو بروتاجوراس) ومحاورة غورغياس (أو جورجياس).
يقول سقراط لمجموعة الحاضرين المستحثين له لمواصلة النقاش عندما أراد الانقطاع بسبب عدم التزام بروتاغوراس بشروط “المحادثة”:
“ها هو ما أود أن نفعل حتى يستمر هذا الاجتماع والحوار بيننا، [ ويضع سقراط شروط النقاش ويتعرض إلى ما يمكن أن نسميه دور الحكم فيضيف:]
وللقيام بهذا فلا حاجة لوجود شخص رئيس، بل سترأسون أنتم جميعا معا الاجتماع.
وقد رأى الجميع أن يجرى الأمر هكذا. أما بروتاجوراس فلم يكن هذا مما يوافق هواه، إلا أنه أجبر على الموافقة بحيث يقوم هو بالسؤال وبعد أن يكون قد سأل بما فيه الكفاية فإن عليه أن يقدم بدوره الردود وذلك في إجابات قصيرة[6].”
فقصر الأجوبة يتنزل هنا في نظرة ذات بعدين: أولهما تقني يتمثل في تسهيل عملية التواصل وإكسابها النجاعة التفاعلية المرجوة بتفادي العلاقة العمودية التي يهيمن بها طرف ما على الحديث قصد فرض سيطرته على الآخرين. أما البعد الثاني فهو أخلاقي ويتمثل في احترام الآخر المتحادث معه بالتواصل معه أفقيا والتفاعل معه على خلفية أنه من موقعه يمكن أن يغير حقيقة الطرف المقابل بصفته طرفا فاعلا في التحادث.
إن هذا التصور العام الذي يعبر عنه سقراط بمفهوم “التحادث” (conversation) والذي يعرّب عنه عادة ب”التحاور” ( dialogisme) أو “النقاش” ( discussion) هو المحدد للفكر الإبراخيلي من حيث هو رؤيا للوجود والحياة والعلاقات الاجتماعية، وهو بذلك في علاقة وطيدة بمفهوم الديمقراطية.
فلا تكمن الديمقراطية عند سقراط في سلطة الرأي الغالب بل في التفاعل مع كافة الآراء بما يجعل كل رأي قابل للمراجعة ويفرض على كل فرد أن يتحلى بالفكر التحادثي أو الروح التحادثية ( L’esprit conversationnel) الذي لا يمكن أن يكون سوى فكر إبراخيلي بالتناقض مع الفكر البلاغي ( L’esprit rhétorique) الذي يوظف الخطاب لفرض أيديولوجيا المتكلم قصد تحقيق أهداف أغلبها سياسية.
فتقصير الكلام إيتيقا وحكمة تنم على روح تحادثية هي أساس الديمقراطية الحقيقية. وهنا يتبين لنا قيمة هذه الفلسفة على مثاليتها ونفهم من ذلك أسباب موت سقراط محكوما عليه بتناول السم. إذ أن فكر سقراط، في باطنه، يخلخل أواصر الديمقراطية اليونانية الناشئة ويشكك في دعائمها، وإن كان الفيلسوف يقر باحترام القانون والمؤسسات لأنه لا يحملها مسؤولية التغيير. التغيير عنده يأتي من الذات التي تغير ما بنفسها نتيجة ما يتراءى لها من نقص فيها أو إخلال، في المرآة التي يضعها الآخر أمامها لتتساءل وتراجع وتتراجع إن اقتضى الحال.
من ذلك نتفهم كره سقراط للبلاغة من حيث هي عدوة الفكر الإبراخيلي: ” البيان لا يحتاج إلى معرفة الحقائق عن الأشياء، وحسبه أن يخترع طريقة ما للإقناع يظهر بها أمام الجهلة أكثر علما من العلماء[7].” وهو ما تأكد تاريخيا لما استولت البلاغة على مفهوم الإبراخيليا كفلسفة وجعلت منه صورة بلاغية توظفها كلما احتاج لها الخطاب في استراتيجيا الإقناع التي يستقطب بها الناس لأفكاره دون ترك المجال أمام أفكارهم للتفاعل والتأثير.
وما ينتهي إليه سقراط من التعديلات التي تبدو متأتية من الفكر الأفلاطوني أكثر منها من منابع الفكر السقراطي كما يتراءى لنا في المثالية التي تميزه، هو أن أول شروط المحادثة أو المحاورة هو التخلص من السلطة البلاغية التي يحيد بها الخطاب عن هدف التساؤل قصد بلوغ الحقيقة ليؤول إلى غاية التملق أو الاستخفاف بعقول السامعين والمتقبلين للخطاب بهدف السيطرة عليهم.
ويمكن لنا اعتبار أنه من ذلك أيضا ما اقترن في عادات الناس من تقليل وتقزيم لصفة الصغر ( La petitesse) التي يقترن فيها القِصر بالقصور وهو عدم البلوغ، والضعف والنقص والخلل والعجز والتهاون، كما يقترن بالتقصير وهو الحذف والتقليل والاختصار والإهمال. وبنفس المنطق يقترن ذلك بمفهوم الأقليات وما تنال من تقزيم وانتهاك لحقوقها باسم ديمقراطية الأغلبية وهذه كثيرا ما تكون غالبية سلطوية، تعبّر عنها سلطة البلاغة، عوض أن تكون شكلا من التحادث المتساوي لأجل حياة تشاركية لكل فيها حق ورأي.
ولما نعمّق التفكير أكثر في أبعاد هذه الفلسفة الإبراخيلية، فإن منطق التحادث والتفاعل يحكم أيضا علاقتنا بالأشياء والكائنات الأخرى بما يصلنا منها من رسائل، أحيانا صامتة وأحيانا أخرى بإشارات خفيفة، تدفعنا لسؤال الذات ومراجعة النفس وتنسيب الحقيقة. فندرك إذا أن الصغير فينا أو حولنا قد يكون أكثر فاعلية وإنارة للسبيل وتعميقا للسؤال من كل ما يتسم لدينا بالكبر والعظمة في عالمنا هذا.
نحن نتعلم من النمل ومن الحشرات الأقل منها حجما، ونتعلم من الاكتشافات الميكروبيولوجية والنانوتكنولوجية بحيرتنا أمامها، بعد ما تعلمنا من الذرة وأخواتها. ونتعلم من نمط العيش لدى أقل الأقليات ما قد يدفع للتفكير في تعديل ما بلغته الحضارات العظمى، أي المهيمنة، من تصرفات ترى فيها أو تدعي بها كل الخير للبشرية في حين نرى كل يوم آثارها القاتلة لكل شيء وقبل كل شيء لإنسانية الإنسان.
ولعلنا أمام ذلك لا نمتلك سوى التعبير بما قل ودل فيكون خطابنا المختزل صورة لرؤيانا التي ترى في كل صغير قيمة وفي كل قليل عمقا يدفعنا للسؤال الذي قد يوصلنا لحقيقة إنسانيتنا. عندها، يقول سقراط، يمكننا أن نتحادث في السياسة وأن نتعاطاها.
فالفلسفة الإبراخيلية لا تنفي البلاغة بما أن هذه الأخيرة ظاهرة إنسانية ثابتة تشكل فلسفة أخرى للخطاب وللحياة، لكنها تقابلها بالرؤيا المعاكسة لتعدّل من فعلها وتكشف آلياتها. فكلما أدرك الإنسان ذلك، قل انسياقه الغير العقلاني من الخطاب البلاغي وتأثيره الغير المتحكم فيه من قبل المتلقي. وعندما ربط العرب الاختزال بالبلاغة فإنهم وظفوا الأول لأهداف البلاغة، كما فعلت البلاغة الغربية في تواصل للاستعمال السفسطائي الذي قننه أرسطو والتي بدأت الدراسات الإنشائية والفلسفية تشير إلى نسبيته.
لذلك يمكن الإقرار بأن عالمنا المعاصر هو الأشد حاجة للفكر الإبراخيلي لأن خلاصه ومستقبله يكمنان في سعيه أن يكون عالما إبراخيليا بامتياز. لذلك أيضا بدأت المقاربات تعود بوضوح لتتدارس أمر موت سقراط وطريقة الاستفادة من الرسالة التي يحملها ولتبرز الرباط الوثيق بين التحادث والديمقراطية، بين قبول سقراط الموت وتضمينه رسالة الحياة، ونضيف: بين كل ذلك وقضية الاختزال التخاطبي من حيث هو منظومة أخلاقية (إيتيقا) تحمل نظرة فلسفية للحياة.
ومن ذات القناعة، نرى لزوما على الفكر العربي والثقافة العربية والاجتماع العربي الاشتغال والبحث في المفهوم الجديد أو المتجدد الذي أسميته بالفرنسية “الإبراخيليا الجديدة” ( La Nouvelle Brachylogie) وفاء لروح سقراط الذي أرجعت إليه، دون من سبقوه إليها من السفسطائيين خاصة، العبارة والفكرة الأولية التي تحملها دون تنظير والتي مكنتني من تطويرها إلى مفهوم مع تصرف في هذا الأخير وتوسعة لمجاله. لكن بالإمكان الاكتفاء بكلمة “إبراخيليا” وحدها في اللسان العربي بما أنها كلمة جديدة.
وجعلنا لمفهوم الإبراخيليا قسمين متكاملين: قسم “الإنشائية الإبراخيلية” (Brachypoétique)، وفي هذا القسم يقع التركيز على أشكال الخطاب الإبراخيلي وأجناسه وأبعاده ومختلف تعبيراته، وهو ما يمكن التعبير عنه بكلمة “الاختزالية” التي اقترحتها الزميلة، إن شئنا؛ وقسم “الإبراخيليا العامة” (Brachylogie générale) وهو الذي يعنى بمختلف مجالات البحث الأخرى، العلمية والتقنية والبيئية والاجتماعية وغيرها، مع ضرورة التفاعل التحادثي (L’interaction conversationnelle) بين القسمين ومختلف تفريعاتهما بما يحقق تناغم الرؤيا وترابط الأفكار ووضوح المسالك والأهداف. فيتمثل القسم الأول كمنهج للتعاطي والتفاعل مع الخطاب في حين يتشكل القسم الثاني كمسار علمي ينتظر التحليل والتعمق في سبله.
لننظر إذن في تمظهر هذا المفهوم الجديد المتجدد عند العرب، بما يسمح به المجال لأن صلب الموضوع يبقى للدرس والتمحيص من لدن المختصين في اللسان العربي وآدابه وعلومه وثقافته وحضارته.
2 – في إنشائية الإبراخيليا العربية
لمّا كان مدخلنا إلى موضوعنا هو البحث في الأشكال القصيرة للخطاب والنصوص، لا بأس أن نذكّر بما لها من موقع في التعبير والتواصل باللسان العربي، إذ أن المجتمعات العربية كغيرها لم تكن في غنى عن هذه الأشكال التي يمكن اعتبارها ممرا لا مفر منه أيا كان اللسان المعتمد للكلام.
يبدو من الثابت أن التراث الأدبي العربي قام، كما في غيره من الثقافات، على تجميع الشذرات المبعثرة والأقوال المبثوثة في مختلف الأوساط وفي المقولات المكونة للذاكرة الجماعية. ما يعنينا هنا هو الدور الذي لعبته هذه الشذرات في إعادة تركيب النصوص وفي التأسيس لمعانيها. لذلك، عندما نتحدث اليوم عن أدب الشذرة، وجب علينا استحضار ذاك الماضي المؤسس لإنشائية الشذرة ليتبين من ذلك ما لنا وما علينا وننظر ببعض التواضع وبكثير من التساؤل لما يؤسّس لحداثاتنا المتتالية.
وقد يعتقد البعض أن الثقافة العربية ارتكزت قديما على التطويل اعتبارا لما وصلنا عن المطولات الشعرية التي سميت “المعلقات” واعتمدت أساسا للشعر العربي وقوالبه وتعبيراته المتنوعة. لكن واقع الأمر هو ما نستدل له بهذا الشاهد المستخرج من مقال للأستاذ الدكتور جابر قميحة يرد فيه على رجاء النقاش حول كتاب محمد خليفة التليسي “قصيدة البيت الواحد”. يكتب قميحة ما يلي:
حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها، وهي أن تاريخنا الأدبي عرف أنواع الأساليب الثلاثة : أسلوب الإيجاز، وأسلوب المساواة، وأسلوب الإطناب . وقد يكون هناك من النقاد أو البلاغيين العرب من يرى “البلاغة في الإيجاز” ولكن المذهب المطرد الذي يؤيده واقع البيان العربي، هو أن البلاغة الحقيقية في “مراعاة مقتضى الحال” . أي في اختيار أنسب الأساليب للموقف، فمن المواقف ما يحتاج إلى الشرح والتفصيل، ومنها ما يتطلب أن يكون اللفظ على قدر المعنى، ومنها ما لا يناسبه إلا الإلحاح أو الإلماع .
فالخطب التي نقلت لنا عن مشاهير خطباء العرب مثل : قس بن ساعدة الإيادي ، وسحبان بن وائل السهمي ، وشبيب بن أبي شيبة السعدي ، منها القصير الموجز ، ومنها الطويل الفياض […]
وفي فن الرسائل والعهود عرف العرب منها الطويل الفائق الطول، ومنها ما لا يزيد على بضعة أسطر، كما عرفوا الرسائل التي تشبه – في إيجازها – البرقيات في وقتنا الحاضر. مثل رسالة العباس بن عبد المطلب – وهو بمكة – إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، يحذره فيها من زحف قريش التي بدأت مسيرها لقتاله في أحد ، وهي من سطر واحد ، ونصها : ” اصنع ما كنت صانعا إذا وردوا عليك ، وتقدم في استعداد التأهب “. كما عرف العرب العبارات المقطرة الشديدة الإيجاز، والتي تمثلت في ثلاثة ألوان هي: التوقيعات، والحكم، والأمثال[8].
ولعل من المفيد أن ندعم هذا الرأي بما قدم شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي لكتابه “المستطرف في كل فن مستظرف” حيث كتب:
(أما بعد) فقد رأيت جماعة من ذوي الهمم، جمعوا أشياء كثيرة من الآداب، والمواعظ، والحكم. وبسطوا مجلدات في التاريخ، والنوادر، والأخبار، والحكايات، واللطائف، ورقائق الأشعار، وألفوا في ذلك كتبا كثيرة. تفرد كل منها بفرائد فوائد لم تكن في غيره من الكتب محصورة. فاستخرت الله تعالى وجمعت من مجموعها هذا المجموع اللطيف. وجعلته مشتملا على كل فن ظريف. وسميته (المستطرف في كل فن مستظرف)[9].
وفي ذات السياق وجب أن لا نغفل عن أن أول قوام للشعر العربي هو البيت في تواز بين بيت الشّعَر وبيت الشّعْر وبين الوحدة المتكاملة والمتناغمة التي تميزهما رغم الانفتاح الحاصل فيهما على الفضاء الخارجي. لذلك أشارت كل تعريفات البيت الشعري إلى أنه سمي “البيت” تشبيها له ببيت الشَّعْر؛ لأنه يضم الكلام كما يضم البيت أهله؛ ولذلك سموا مقاطِعَهُ أسبابا وأوتادا تشبيها لها بأسباب البيوت وأوتادها.
ولكن البيت الشعري تمثل لنا في صورة الجسد الواحد في تمامه وتفصيله بما أن بيت الشعر يحتوي على صدر وعجز مثل الجسد.
والأرجح أن يكون ذلك مرد التساؤل حول مفهوم البيت الواحد أو البيت اليتيم وحول قصيدة البيت الواحد. وفي هذا الموضوع لا بد من التنصيص على ميزة خصوصية هامة للبيت الشعري هي أن وحدته هيكلية في الأساس إذا أخذنا بعين الاعتبار مطالع القصائد المطولة ذاتها والمعلقات بوجه الخصوص. ففي البيت الأول نقف دائما على حرف القافية في نهاية الصدر كما في نهاية العجز، إضافة إلى وحدة المعنى، وهو ما نلاحظه في مطالع المعلقات مثل:
امرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
طرفة بن العبد:
لِخَـوْلَةَ أطْـلالٌ بِبُرْقَةِ ثَهْمَـدِ تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَدِ
الحارث بن ظليم بن حلزّة اليشكري:
آذَنَتنَـا بِبَينهـا أَسـمَــاءُ رُبَّ ثَـاوٍ يَمَـلُّ مِنهُ الثَّـواءُ
عمرو بن كلثوم:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
عنترة بن شداد:
هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَـرَدَّمِ أم هَلْ عَرَفْتَ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّـمِ
زهير بن أبي سُلمى:
أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ بحوْمانَةِ الدرّاج فالمتثلّم
لَبيد بن ربيعة:
عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا بِمِنَىً تَأَبَّـدَ غَوْلُهَا فَرِجَامُهَـا
ذلك يبين أن فكرة البيت الواحد كانت ضمنيا حاضرة في الإنشاء الشعري ولا يجوز التشكيك في ما ذهب إليه بعض النقاد في ذات السياق كما لا يجوز التقليل من أهمية البحث والتنقيب في إشكالية البيت الواحد لا من حيث وجاهتها الشعرية فحسب، بل أيضا من حيث علاقتها بالرؤى الفكرية والفلسفية ومن حيث أعماقها النفسية والاجتماعية والوجودية، وهو ما نزعم أنه يندرج ضمن التساؤل والبحث الإبراخيليين؛ هذا ولا تقترن وحدة البيت الواحد في العربية بتكرار حرف القافية في نهاية العروض والضرب ولنا في ذلك مثلا البيت الواحد الشهير في رثاء لبيد وهو يحتضر:
” لِتَبْكِ لَبِيدًا كُلُّ قِدْرٍ وَجَفْنَةٍ وتبكي الصَّبَا مَنْ بادَ وهو حَميدُ”[10].
ولعله من المفيد أن نذكر في وحدة المعنى لبيت الشعر ما كتبه محمد بن أيدمر في ” كتاب الدر الفريد وبيت القصيد”:
“لا عيب أفحش من تخاذل أعجاز الأبيات وصدورها وإنّما سمي الشعر نظما لانتظام الألفاظ فيه كنظام الّلآلي وائتلاف الأبيات منه كائتلاف رصف الحلي بعضه إلى بعض[11].”
كما أن الأقرب للظن أن يكون ذلك التركيز على وحدة البيت الواحد في صلة وطيدة بمفهوم الحِكم وخاصة بالعملية التي تمكن من استخراج البيت من قصيدته ليصبح مستقلا بذاته يؤدي دور الحكمة، ولعل شعر المتنبي من أبرز المدونات التي تدل على ذلك وقد ذهب أ . د . حامد طاهر في البحث فيها ليبين أن “الحكمة في شعر المتنبي[12]” يمكن تصنيفها على النحو التالي: الحكمة في جملة من شطر بيت؛ الحكمة في الشطر الأول من البيت؛ الحكمة في الشطر الثاني من البيت؛ الحكمة في بيت مفرد؛ الحكمة في بيتين متتاليين؛ الحكمة في عدة أبيات متتالية.
الأهم في قضية الحال أن نقر بالدور الفاعل والمهم للأشكال القصيرة في الخطاب والنصوص العربية وإلى ميزاتها المتعددة الآفاق بما يفتح لها مجال البحث الإبراخيلي بمختلف تفريعاته. ولعل النص القرآني يمثل مدوّنة مركزية ملائمة للبحث والتنقيب والتأويل في ذات الموضوع حتى أن ابن خلدون جعل من القرآن جنسا ثالثا انضاف إلى الشعر والنثر وذاك نفسه مجال للبحث لا يخلو من مساءلة التعبير الإبراخيلي.
لنذكر على الأقل مراحل ثلاثًا في التعاطي مع النص القرآني لعلها تكون فاتحات مسالك لتعميق التفكير والدرس والتأمل. نعلم أن النص القرآني، كغيره من الكتب السماوية[13]، أنزل في شكل وحدات نصيّة قصيرة الحجم عميقة المعاني وهو ما عبر عنه الخالق بصريح الآية: “قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون” (الأنعام – 97)، ثم “قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون” (الأنعام – 98) وكذلك قوله تعالى: ” وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ” (الإسراء – 106).
واتفق المفسرون هنا، من الطبري للقرطبي، لفخر الدين الرازي، للطاهر ابن عاشور بأن القصد هنا أن الوحي نزل ” آيَة بَعْد آيَة يَتْبَع بَعْضهَا بَعْضًا”، ربما كان بين الآية والأخرى مدة تتراوح بين الأسبوع والشهر؛ وأن القرآن أنزل “منجما مفرقا غير مجتمع صبرة واحدة ليقرأ على مكث ، أي مهل وبطء ، وهي علة لتفريقه. والحكمة في ذلك أن تكون ألفاظه ومعانيه أثبت في نفوس السامعين[14]“.
والمرحلة الثانية في التعاطي مع النص القرآني فهي مرحلة تجميعه وقد انطلقت مع الرسول كما أوضح ذلك أحمد خليل في كتابه “دراسات في القرآن” حيث تحدث عن “الخطوات الثلاث التي تقارن جمع القرآن، وهي جمعه في عهد الرسول ثم في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان[15]“.
أما المرحلة الثالثة في التعاطي مع النص القرآني ففيها نوعان هما، أولا، قاعدة الحفظ وهي شكل من أشكال التعبد تسعى إلى حفظ الكتاب بأكمله وإن تعذر فجزء منه للتبرك وإرضاء الله، وثانيا التعاطي الاجتماعي مع النص بحيث تؤخذ منه آيات منفردة للتبرك بها أو للاستدلال بها في الوضعيات المناسبة ولاعتمادها حكما تنير تعامل الناس في ما بينهم.
إن هذا النوع من التعاطي مهم وخطير لأنه قد يفضي إلى تأويلات دينية يمكن أن تكون سببا في كثير من التشنج بين المسلمين قد يتحول من الخصومة الكلامية إلى ما هو أعنف منها بكثير. لنذكر مثلا كل الخلاف الذي يمكن أن يتأجج لدى البعض حول نوعين من قراءة آية واحدة كالآية السابعة في سورة آل عمران وهي التي يقول فيها عز وجل: “وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنّا”. ومربط الفرس هنا هو الاختلاف حول موضع الوقوف (مباشرة بعد كلمة “الله” أو بعد كلمة “العلم”) وحول معنى الواو بين الكلمتين (إن العطف أو التعبير عن مآل الشيء)؛ وبين القراءتين بون شاسع في النظرة للإسلام ورؤيته لعلاقة العابد بالمعبود.
ومن المظاهر الإبراخيلية في القرآن هي كيفية تعامله مع القص، حيث أنه يختزل القصة إلى أصغر حجم لما يمكّن من استنتاج العبرة التي يسعى إليها ويكفي أن ننظر لبعض قصصه التي وظفت في القطاع السمعي البصري لإنتاج مسلسلات في عشرات الحلقات حتى نتبين قيمة الإنشاء الإبراخيلي في النص القرآني مع التأكيد على أن ذاك الإنشاء لا يمكن أن يكون اعتباطيا أو بلاغيا فقط وإلا لما تكلمنا عن إعجاز في القرآن.
وعديدة كذلك هي المواقع التي نجدها في النص القرآني والتي تؤكد القيمة الكبرى لأصغر العلامات فيه ولعل أهمها الحروف المقطعة التي تبتدئ بها بعض السور للجدل القائم حول دورها ومعانيها.
وتحضرني في هذا السياق المداخلة المتميزة التي قدمتها الأستاذة حياة الخياري في أول ملتقى نظمناه حول الإبراخيليا وعنوانها: “الحَرْف شكل من أشكال التّعبير الرّمزيّ: مقاربة إنشائيّة“؛ جاء فيها:
يكفّ الحرف عن كونه مجرّد علامة “اعتباطيّة” في نظامنا اللّغويّ ليستحيل رمزا بكلّ ما تحمله الكلمة من معاني الاختزال والالتباس. أوهو شكل من أشكال “الإبراخيليا (Brachylogie)“، ينطبق عليه التعريف ذاته، فكلّ حرف من الحروف الأبجديّة من حيث حمولته الرّمزيّة هو “عبارة تعرف القصر في الخطاب والصّغر في الأحجام الخطابية[16].
وتختم الزميلة مداخلتها بالاستنتاج التالي: “لئن كان النصّ الشّعريّ جسدا فريدا من الحروف السّاكنة والمتحرّكة، الصّامتة والصّائتة، فإنّ النّقطة قد احتكرت مركز تسكين المتحرّك وتحريك السّاكن. إنّها مساحة الاستثمار الإنشائيّ وموطن المعرفة المكتنزة في كلّ خطاب رمزيّ مهموم بلعبة الاختزال مبنًى ومعنى.”
كل ما نكتفي بالإشارة إليه في هذا الحيز التمهيدي، هو أحقيّة التأسيس في اللغة والآداب والثقافة العربية إلى مجال بحث هو “إنشائية الإبراخيليا العربية” وهو المجال المطالب بالتعمق في خصوصيات التعبيرات المختزلة إلى أقصى حدود الاختصار ليبين أن ذلك لا يمكن أن يكون مجرد لعب بالحروف والكلمات وإن كان كذلك بشكل ما، ولكن أيضا حامل فلسفة ورؤى للوجود عامة ومختلف تمظهرها.
طبعا، لا بد هنا من استحضار إشكاليات القراءة والتقبل عامة واستقراء علاماتها من حيث هي تمثل لعملية التحادث التي نعتبرها الخلفية المميزة لما أسماه أمبرتو إيكو “العمل المفتوح” (L’œuvre ouverte ). كثيرة هي الأعمال العربية المعاصرة التي يمكن إدراجها ضمن الأعمال المفتوحة على الآخر في سعي منها للإشارة إلى حداثتها بطريقة مركّزة، لكن واقع الخطاب والنصوص عامة، في كافة المراحل التاريخية، هو انفتاحها على الآخر إن بطريقة ضمنية أو بطريقة معلنه.
قد لا يكون سياق هذه المحاضرة هو الأفضل للتأني في تحليل جوانب من كتاب محمود المسعدي تبرز نزعته الإبراخيلية لكنني أكتفي هنا بالإشارة إلى المقطع الخاتمة من النص في نهاية حديثه الأخير وعنوانه “حديث البعث الآخر”. لنلاحظ من البداية ثنائية فهم العنوان حسب شكلنا لحرف الخاء إن فتحا أو كسرا وما يترتب عن ذلك من تأويل، ولعل غاية النص استحضار الشكلين معا عند القراءة.
لنا في خاتمة الكتاب ما يلي:
“ولم يكد يتم كلامه حتى حث فرسه وأرسله كالريح، فأسمع حوافره على الصخور كالرعد. وغاب عني في الليل. فلم تمض هنيهة حتى سمعت صخورا هاوية وصهيل ألم وصيحة كصيحة الفرح تملأ الوادي واقشعرّ لها جلدي، فكأن الأمرَ مأدبة شياطين. ثم سكن كل شيء وناجيت فلم يجبني أحد. فلزمت مكاني إلى الصباح. فلما أصبحت نظرت فإذا أنا على قمة جبل يكاد يبلغ السماء، وإذا دم على الصخر، وإذا تحتي هاوية يقصر عنها مدى العين.
رحم الله أبا هريرة، لقد كان أعظم من الحياة[17].”
أعتقد أنه من غير الصعب تبين دينامية جدل المعنى في هذا (الجزء من) النص في تعاط تحادثي بين الراوي (أبو المدائن) ومتقبل الرواية من جهة، وبين النص وقارئه من جهة أخرى بحيث يتمثل الليل منذرا بصباح جديد والموت إشارة إلى وجود آخر وخاتمة النص فاتحة لنص آخر ينتجه القارئ بداية من العلامات الداعية لذلك في نهاية النص الأصل مثل الدم على الصخر ومتسع الهاوية التي يقصر عنها مدى العين ولا يفترض أن يقصر عنها عمق البصيرة. وبذلك يمكن تأويل الجملتين الأخيرتين “رحم الله أبا هريرة. لقد كان أعظم من الحياة.” بما معناه أيضا: “رحم الله أبا هريرة. إنه أعظم من الموت” وأبو هريرة الأول هو الشخصية في النص أما الثاني فهو النص ذاته.
ونلمس منطق التحاور في مشاعر أبو المدائن وحركاته وتأويلاته أمام العلامات التي تركها أبو هريرة وكأنها “حديث النص الآخر”: أسمع، غاب عني، سمعت، كصيحة، اقشعر جلدي، فكأن، ناديت، فلزمت مكاني، نظرت، ثم الجملتان الأخيرتان في مثل بيت لقصيد.
فكأن هذا التحاور يمثل هو أيضا تحاورا داخل النص وفي تناص واضح مع مختلف المقولات التي ارتبطت بسؤال الوجود: أكون أو لا أكون. من سقراط واقتصار المعرفة عنده على أنه لا يعرف شيئا، إلى شكسبير، إلى ديكارت، إلى نيتشه بعد كيركيغارد، إلى سارتر، إلى أدباء السؤال الوجودي في التراث العربي القديم والحديث. لذلك يمكن أن نعتبر “حدث أبو هريرة قال…” اختزالا تأليفيا لسؤال الوجود يفضي لنتيجة تواصل السؤال ما دام الوجود وجودا وهنالك يكمن في رأيي التشكل الإبراخيلي لنص المسعدي.
لكن الأهم في موضوعنا هو أن نسأل عن مدى تلاؤم الثقافة العربية ومجتمعاتها مع الروح التحاورية مسلكا للديمقراطية حتى نقر بحجم انصهارها في الفكر الإبراخيلي ومنظومته الحضارية. وهو الباب الذي نطرقه الآن.
3 – مخرج في شكل فاتحة: الإبراخيليا والمجتمع العربي
من الواضح إذن أن اعتماد الإيجاز في القول أو القصر في أشكال الخطاب والنصوص لا يكفي لبناء رؤيا حضارية وفلسفة للحياة أسميناها النظرة الإبراخيلية للوجود، على قيمة تلك التشكلات التعبيرية في إرساء المنهج وتكريس العقل الإبراخيليين المنشودين.
إذ أن الشرط الأساسي في التصرف الإبراخيلي هو انصهاره في روح التحادثية من حيث هي تبادل مستمر على درب سؤال الحقيقة ومن حيث عي إقامة علاقات تفاعل أفقي عادل يتساوى فيه كل المتدخلين تأثرا أكثر منه تأثيرا.
وبتلك الروح التحادثية يكون السير نحو الديمقراطية الحقيقية التي تضمن حق الكل في التعبير والمشاركة مهما تباينت الأحجام ومهما اختلفت القيمة التي تنسب اعتباطا لطرف دون الآخر لأنها قيمة محكومة بالظرف لا بالحقيقة، بما أن الحقيقة سيرورة دائمة على درب السؤال وصيرورة حارقة في حيرة الوجود.
قلق كأن الريح تحتي، هكذا قال المتنبي وكأني بمحمود المسعدي يجيب: إذ ليس في الكون استكانة.
ما هو إذن مجال العرب وثقافتهم من النظرة الإبراخيلية وهيكلتها المركزية؟
كثيرا ما يؤرخ للثقافة العربية بالتأكيد الذي يكاد يقتصر على أصلها البدوي القبلي الذي تنتج عنه أحكاما، سلبية أو إيجابية، من طرف أو من آخر، لا تستند إلى منهج تحليلي ضاف وإلى منطق موضوعي معقول، فيتراوح الرأي بذلك من “أم الدنيا” إلى “ركود الأمة في التخلف”. ولعل سيمة هذه المواقف هي افتقارها للروح التحادثية التي تدفع أصحاب الرأي والرأي الآخر وما بينهما لمراجعة الذات ولتنسيب الأحكام.
هل صقلت البادية العربية بشرا أصموا أنفسهم وحجبوا عن بصائرهم وعن بصيرتهم عناصر السؤال الرامي إلى مراجعة الذات؟ لو كان الأمر كذلك لما توفرت في أشعارهم أبياتا حكما هي بالضرورة نتاج لتحادث دائم وعميق مع المحيط يستمد منه الإنسان بعض الحقيقة التي يتقدم بها لحين يعيد السؤال الدّائم ضرورة مراجعتها.
قد يكون إذن ما نقرأ عن الاعتزاز بالذات والفخر والكبرياء عند الشاعر العربي، مجرد تغطية أو تعويض لتضامن ضمني لديه أمام امتحان التحادث مع المحيط الصعب وقساوة الحياة.
من جهة أخرى، خارج الإطار البدوي الأصلي، كثيرا ما اقترنت المؤلفات الأدبية العربية بمجالس أصحاب السلطة وبأمر صادر عنها بالكتابة والتدوين يجعلان المؤلف يخضع للأمر إن خوفا أو طمعا أو تقديرا لصاحب الأمر.
ذاك هو الحال مثلا لأبي حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة؛ ولأجل ذلك يصعب، من الوهلة الأولى، تنزيل كتابته في الإنشاء الإبراخيلي إذ من المفروض أن هذا الأخير ينبني على المساواة بين المشاركين في الحديث.
يبقى أننا من جهة أخرى لا نستبعد إمكانية وجود ديناميكية إبراخيلية ، أو حركية إبراخيلية، تشتغل بطريقة غير مباشرة. قد يتم ذلك عند اضطرار القارئ ليملأ وحده، بتحليل ذاتي داخلي، الحيز الفارغ الذي تفتحه أمامه المقولات المغلقة باختزالها المبهم أحيانا. ولعله من المفيد أن نشير هنا إلى استحضار التوحيدي عديد الشواهد المأخوذة عن فلاسفة الإغريق وخاصة محاكاته لمحاورات أفلاطون في مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي
“قال ابن الفرات: يا أبا سعيد، تَمِّمْ لنا كلامك في شرح المسألة، حتى تكون الفائدةُ ظاهرةً لأهل المجلس، والتبكيتُ عاملاً في نفس أبي بشر. فقال: ما أكره من إيضاح الجواب عن هذه المسألة إلّا مَلَلَ الوزير، فإنّ الكلامَ إذا طال مُلّ.
قال ابن الفرات: ما رغبت في سماع كلامك، وبيني وبين الملَلِ علاقة، فأما الجماعة فحرصُها على ذلك ظاهر.”
فكأننا هنا نقرأ ترجمة للمقطع الذي أراد فيه سقراط قطع التحادث مع بروتاغوراس أو تظاهر بذلك إلى أن ألح عليه الحضور للمواصلة ففرض شروط التحادث وأهمها تفادي الإطناب.
ولكننا نستشعر النزعة التحادثية في نصوص الجاحظ. طبعا في نوادر البخلاء من حيث يتمثل لدينا المجتمع في طبقته الشعبية المتحررة والتي تتوفر على قدر من الهزل والسخرية التي تعتبر من أهم التعبيرات الإبراخيلية كما أشار إلى ذلك ينكليفيتش: “السخرية إبراخيليا”. ( L’ironie est une brachylogie ).
إلا أن الجاحظ ترك لنا نصوصا أخرى في درجة أرفع من التعبير الإبراخيلي وضمنها في رسائله، لعل من أبرزها الرسالة الثالثة عشرة المسماة ” مفاخرة الجواري والغلمان”[18].
إن التحادث في هذه الطبقة الاجتماعية جاء متحررا من كل القيود دون تصنع لسلطة خطابية فاضحة فحرر المتقبل من كل أشكال الرقابة وجعله في صلب السؤال التحادثي وكأنه ينادي بديمقراطيته التي لا يرى لها أثرا في مجتمعه، مجتمع يعيش فيه دون أن يحيى حياة حقيقية تراعي طموحاته المكبوتة.
في هذا المستوى من التحليل وجب علينا طرح السؤال التالي:
هل يكفي ملاحظة بعض الظواهر التحررية في الخطاب للإقرار بطبيعته التحادثية وخاصة لاعتبار المجتمع العربي مجتمعا تحادثيا؟ ويتعقد الأمر ويتأكد عندما نسمع ونقرأ أن المجتمعات العربية غير قادرة على التخلص من السلطة الأبوية ومن الهيكلة العمودية للعلاقات الاجتماعية مما يجعل البعض يجزم أنها لن تتمكن من التفاعل الإيجابي من المنظومة الديمقراطية للمجتمع، وأن تلك المجتمعات إن بدت أحيانا تتبنى الديمقراطية فلتفرض بها السلطة التقليدية عوض أن تجعل منها هدفها الحضاري. وكثيرا ما يرد ذلك لتغوّل السلطة الدينية وتحكمها في أدقّ مفاصل المجتمع.
أشرنا في ما تقدم إلى المجالس، في تاريخ الثقافة العربية، كفضاء سانح للتحادث أو على الأقل لبذرته الأولى، لكننا أكدنا أن تلك المجالس لا يمكن أن تمثل الفضاء الأمثل للتحادث بتعريفه الذي نسوقه من منظور الإبراخيليا. فما هو إذن الفضاء الإبراخيلي الأمثل؟
الأقرب للظن أنه، كما ذهب إلى ذلك ميخائيل بختين، يتمثل في تظاهرة الكرنفال حيث تتحرر مختلف أشكال التعبير وتفقد الرقابة سلطتها على المجتمع وسيطرتها على العقل والجسد، سواء كانت رقابة ذاتية أو مؤسستية وخارجة عنهما.
إن سلمنا بذلك وجدنا أنفسنا أمام سؤالين أساسيين:
أ – أوّلا، ما هو موقع التظاهرات الكرنفالية وحجمها وتأثيرها في المجتمعات العربية و إلى أي حد يمكن اعتبارها ثقافة حاكمة في توجه المجتمع إلى التحادثية؟
ب – ثانيا، هل يمكن للحركية التحادثية أن تتهيكل في الكرنفال وتكتمل مراحلها بما يحقق أهدافها؟ حيث نعلم أن الكرنفال يعرف كأنه احتفال شعبي، بذلك تبدو بعض الطبقات الاجتماعية خارجة عن تلك التظاهرات وتعتبر نفسها غير معنية بها. إن صحّ ذلك، يكون التحادث منقوصا، إذن غير ديمقراطي؛ إذ نعود بذلك إلى الفصل التقليدي بين حفلات الأعيان والحفلات الشعبية، وهو تصنيف لا يزال ساري المفعول حتى في بعض، إن لم نقل أكثر، المجتمعات التي تدعي الديمقراطية. يذكرنا ذلك بالمقارنة التي اعتمدها خوزيي دي كسترو في كتابه “جغراسياسة الجوع” لإبراز الفرق بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية فقرن الأولى بحفلات الاستقبال عند الطبقات الغنية وربط الثانية بالكرنفال.
لا أذكر أن في بلاد عربية تظاهرة تخضع لكافة مواصفات الكرنفال ويمكن أن تعتبر مدخلا للمجتمع التحادثي في طريقه إلى الديمقراطية كما تطرحها النظرية الإبراخيلية.
وفي غير البلاد العربية، لو أخذنا أشهر كرنفال، في ريو دي جانيرو، ألا نرى فيه يتحول شيئا فشيئا إلى منتوج فلكلوري ومشهدي يوظف خصوصا في الدورة الاقتصادية لمجتمع الاستهلاك؟ ألا يجعله ذلك يحيد عن مغزاه الطبيعي الأصلي؟ لا بد إذن من مزيد التفكير والتمحيص في هذه الظاهرة وفي أبعادها الفلسفية والاجتماعية في علاقة بين روح التحادث والديمقراطية، إن هي علاقة تقارب وتفاعل أو هي علاقة تباعد وتنافر.
تحضرني أيضا طبيعة “ساحة الفناء” بمدينة مراكش، فيراودني نفس السؤال عبر ما آلت إليه الحياة في تلك الساحة إلى نوع لحلبة أو خشبة مسرحيتها اللعبة السياحية، أي السياسية، حين تغلب عليها الحسابات ويضيع فيها العمق التحادثي.
قد نفكر أيضا في وسائل الاتصال الحديثة وفعلها المتعدد الأبعاد، فنتساءل كيف لنا أن نستمد منها فرصة التأسيس لمجتمع تحادثي جديد؛ إلا أننا، قبل أن نصل إلى تعقيدات هذه المسألة، لا بد لنا أن نجيب على السؤال الآخر، ألا وهو: ونصيبنا من هذه الوسائل؟
م. م.
[1] هذا النص هو إعادة صياغة لمحاضرة قدمتها في الملتقى الأول بلبنان للدراسات الإبراخيلية، بتنظيم من الزميلة ديما حمدان بالجامعة اللبنانية في بيروت (فيفري 2015).
[2] في تحادث مع الصديق الشاعر آدم فتحي، جاءت على لسانه الملاحظة التالية: لا أدري إن كانت عبارة “الأشكال القصيرة” صالحة لترجمة “Les formes brèves ” ولعلّي أفضّل عبارة “الأشكال المقتضبة” أو “الأشكال الموجزة”. علمًا بأنّ العرب ربطوا بين البلاغة والإيجاز ومدحوا الكاتب والخطيب فقالوا: أوجزتَ فأَبْلَغْتَ… وجاء في لسان العرب: وَجُزَ الكلامُ وَجازَةً ووَجْزاً وأَوْجَزَ: قَلَّ في بلاغة، وأَوْجَزَه: اختصره. ويلاحظ الشاعر آدم فتحي كذلك أنه قد تكون عبارة “الأجناس القاصرة” كترجمةٍ لعبارة “Les genres mineurs” بالمُقارنة مع “Les genres majeurs” طريفةً في طِباقِها مع عبارة “الأشكال االقصيرة” إلاّ أنّ “القاصر” يُقابل “الراشد” ولا أرى طرافة في ترجمة عبارة “Les genres majeurs” بعبارة “الأجناس الراشدة” لذلك أفضّل عبارة “الأجناس الثانويّة” بالنسبة إلى الأُولى وعبارة “الأجناس الرئيسيّة” بالنسبة إلى الثانية. ويبقى التحادث في الموضوع مفتوحا ومتواصلا، في انتظار مزيد التعمق في الموضوع، أبقي على استعمال التسميات التي اخترتها لأنها تبدو لي أكثر تناغم مع الفكرة التي أذهب إليها.
[3] المعجم المزدوج / عربي.فرنسي / فرنسي.عربي، دار العلم للملايين، بيروت، 2009 .
[4] جاء المقترح في مداخلة عنوانها “المأمون والتجربة التنويرية” للزميلة ناجية لوريمي من جامعة تونس المنار، ضمن أشغال الملتقى الرابع للدراسات الإبراخيلية بتونس حول “الإبراخيليا والأنوار” (15-17 أكتوبر 2015).
[5] يمكن ذكر أريستوفان أو أرسطوفانيس Aristophane وهو مؤلف مسرحي قدم سقراط في صورة ساخرة جعلت اعتمادها في قراءة شخصية الفيلسوف غير موثوق به. ويمكن الإشارة أيضا إلى كسينوفون أو زينوفون Xenophon هو مؤرخ يوناني تتلمذ على سقراط وكتب عنه مؤلفا بعنوان أشياء جديرة بالتذكّر.
[6] (بروتاجوراس، ص 125) – 338
[7] جورجياس 459 – مع الإشارة إلى أن المترجم يعرب Rhétorique ب “البيان” لا ب”البلاغة”.
[8] أ.د/ جابر قميحة، أسطورة اسمها (قصيدة البيت الواحد)، دراسة نقدية ردا على رجاء النقاش، نشر على موقع http://www.odabasham.net/show.php?sid=28079
وآخر قراءة له تمت في 14 -02- 2015
[9] المستطرف في كل فن مستظرف، تأليف شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت (طبعة جديدة منقحة)
[10] لنضرب مثلا هذا الخبر: ” عن هِشام بن جعفر بن كلاب بن أشياخه قال: لما حَضَر لَبِيد الموت دَخَلَ عليه أَشْيَاخُ بني جعفر وشُبَّانهم فقال: نَوّحوا عليّ حتى أسمع فقال شابٌ منهم:
لِتَبْكِ لَبِيدًا كُلُّ قِدْرٍ وَجَفْنَةٍ وتبكي الصَّبَا مَنْ بادَ وهو حَميدُ
فقال: أحسنتَ يابن أخي فزدني، فقال: ما عندي غير هذا البيت، قال لبيد: أسرع ما أَكْدَيْت.”
[11] محمد بن أيدمر، كتاب الدر الفريد وبيت القصيد، نشر “بالطبع التصويري لأول مرة” بمعهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بفرانكفورت سنة 1988، وهو في طور التحقيق من طرف طالبة أردنية يشرف على عملها الأستاذ التونسي أحمد حيزم في العربية السعودية. الشاهد مأخوذ من المجلد الأول، ص. 93.
[12] أ. د . حامد طاهر في البحث فيها ليبين أن “الحكمة في شعر المتنبي”، نشر على موقعه الشخصي ورابطه هو: http://www.hamedtaher.com/index.php?option=com_content&view=article&id=486&Itemid=175
آخر اطلاع عليه تم بتاريخ 14 – 02 – 2015.
[13] كتب الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير معلقا على الذين “طعنوا في القرآن بأنه نزل منجما وقالوا : لو كان من عند الله لنزل كتابا جملة واحدة” فقال: “وهذه جهالة منهم بنسبة كتب الرسل فإنها لم ينزل شيء منها جملة واحدة وإنما كانت وحيا مفرقا ؛ فالتوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام في الألواح هي عشر كلمات بمقدار سورة الليل في القرآن ، وما كان الإنجيل إلا أقوالا ينطق بها عيسى عليه السلام في الملأ ، وكذلك الزبور نزل قطعا كثيرة.”
[14] محمد الطاهر ابن عاشور ، التحرير والتنوير، دار سحنون
[15] أحمد خليل، دراسات في القرآن، بيروت، دار النهضة العربية، 1969
[16] المداخلة منشورة على موقع جمعية إبراخبليا في انتظار صدورها في أول عدد للمجلة الورقية “إبراخيليا”، نهاية سنة 2015. بلوغ الموقع يتم عبر الرباط التالي: www.brachylogia.com
[17] محمود المسعدي، حدث أبوهريرة قال…، تقديم توفيق بكار، تونس، دار الجنوب، 1979، ص.231-232.
[18] لا يفوتنا هنا أن نشكر الأستاذ محمد سعد برغل الذي أشار إلينا بالمرجع المطكور.